نحو مبادئ التصميم المعماري للمؤسسات المدنية على الإنترنت
عدت في الآونة الأخيرة من مدينة مالاغا الإسبانية، وكنت قد زرت مدننًا إسبانية أخرى حافَظَت على حدودها عبر مئات بل ربما آلاف السنين. وقد جعلتني هذه المدن أتذكر مدنًا مماثلة في الولايات المتحدة الأمريكية، في وسط غرب البلاد، حيث يمكن معالجة مشكلاتها استنادًا إلى إدارة المدن بالنظر إلى الجوانب المدنية الإنسانية فيها.
وبالنسبة لهذه المدن، لم تكن المشكلة متعلقة بمركز المدينة الذي يتسم بالثراء والذي اضطرت كافة الأسر المتواضعة الابتعاد عنه إلى مناطق ومباني أبعد، ليعود العاملون من أبناء هذه الأسر للعمل في خدمة وصيانة الأبراج الفاخرة في مراكز تلك المدن. لكن المشكلة هي أن تلك المدن لم تتعامل مع الطبيعة الخانقة سواء في المباني أو الجوانب النفسية فيها، بما تعكسه هذه الجوانب على وجود الجريمة فيها.
لذا فإن مثل هذه المدن وهذه المشكلات التي تعانيها وما تسببه من اختناق فيها بحاجة إلى مؤسسات جديدة تعزز الجانب الإنساني ومشاركة سكانها في وضع الحلول لها.
ويمكننا التفكير في هذه الحلول من حيث الحاجة إلى تدفق أموال القطاع الخاص إلى هذه المؤسسات والمدن والبنى التحتية فيها.
ولذلك تظهر الحاجة الشديدة إلى التبسيط، حيث نشهد حاليًّا معركة على الصعيد الأخلاقي والقانوني بهدف إلزام النخب القوية في العالم لتحويل ثرواتها إلى هذه المدن.
ومما لا شك فيه فإن هناك تكلفة تترتب على تعزيز دور المؤسسات، حيث يعتبر هذا العمل معقدًا بطبيعته.
ويمكن الاستشهاد بمدينة شيكاغو الأمريكية، التي تعد مثالًا يمكن الاستفادة منه. فقد شهدت عبر تاريخها انتعاشًا في عملية بناء المؤسسات، حيث كان الأثرياء يتنافسون على ضخ أموالهم ويهتمون بالمدينة لجعلها مدينة عظيمة. وكان هناك أيضًا في نهاية المطاف ابتعاد عن الابتكارات القديمة التي كانت تحظى بإعجاب الجمهور، والاتجاه إلى الأفكار الأكثر بساطة التي تنال إعجاب البعض، دون البعض الآخر.
وربما تخلينا حاليًّا أو نسينا كيف نقدر ونحترم الابتكارات العظيمة التي تم التوصل إليها في الماضي. ولكن ما يشفع لنا هو أننا نتوصل إلى معرفة جديدة: فمن المهم بالنسبة للأفراد والمجتمعات ذات الدخل المتواضع أن تشعر بجمالية التقدم والازدهار. وكلما زاد فهمنا لهذه الجمالية، كلما تحققت فوائد أكثر لنا.
فعلى سبيل المثال، لا يقتصر الفن على مجرد تأمل لوحات فنية، بل يمتد لتحقيق الرفاه والسعادة للآخرين. وبالمثل، يحرص كثيرون على صحة الآخرين ورفاههم وكأنها جزء من صحتهم هم أنفسهم. فذلك الإحساس بالآخر يوفر المادة الخام للأفراد والعائلات والمجتمعات ذوي الدخل المتواضع لتكوين صورة عن رفاهيتهم وسعادتهم، بحيث يطبقونها ويجعلونها جزءً من مستقبلهم. وعندما تتضح الصورة عن مستقبلهم، فإن ذلك يشكل دفعة قوية لجهود الأفراد، والأسر والمجتمعات نحو تحقيق مستقبلهم جميعًا على أرض الواقع.
وعند الحديث عن المدن، يمكن القول بأن هناك حجم وشكل للمدينة التي يمكن أن تنشأ فيها مؤسسات عبقرية ومعقدة تؤدي إلى تحقيق الاهتمام والرعاية من المواطنين. وتستحق هذه المدن والمؤسسات دراسة حثيثة من أجل التوصل إلى المعرفة التي يمكن استخدامها لتحديد المبادئ المهمة في بناء المؤسسات المدنية ذات الطابع الإنساني على الإنترنت.
Ms. Saskia Sassen
Professor of Sociology at Columbia University in New York City, and Professor at the London School of Economics.